في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتختلط فيه المعايير، بات واضحا أن حال الناس لم يعد كما كان؛ إذ تراجع التقدير المتبادل، وارتفعت نبرة الجحود، وتقدم إلى الواجهة من اتخذوا من الإساءة وسيلة، ومن «الترند» غاية، ولو كان الثمن تشويه الحقيقة أو النيل من الآخرين.
لم يعد الاعتراف بجهود الناس سلوكاً طبيعيا، بل تحول لدى البعض إلى أمرٍ ثقيل. ينجز العمل بإخلاص، ويقابل بالإنكار أو التقليل، بينما تسلّط الأضواء على من يجيدون إثارة الجدل وصناعة الضجيج. وفي هذا المناخ المربك، تجد القلوب المريضة المليئة بالحقد في منصات التواصل الاجتماعي مساحة خصبة لبث السموم، لا بدافع الإصلاح، بل سعيا وراء انتشارٍ سريع وشهرةٍ عابرة.
أصحاب «الترند» الجدد لا يزنون كلماتهم بميزان المسؤولية، بل بعدد المشاهدات وحجم التفاعل. تختزل القضايا الكبرى في عناوين صادمة، وتحرف الوقائع لتوافق موجة الرواج، ومع كل مشاركة أو إعجاب، تتراجع قيمة التقدير الحقيقي، ويهمش أصحاب الجهد الصادق الذين يعملون في صمت بعيدا عن الأضواء.
غير أن المجتمعات لا تبنى بالضجيج، ولا تستقيم بالتحريض والكراهية. فالتقدير ليس مجاملة عابرة، بل حق إنساني وأخلاقي، والاختلاف لا يبرر الإساءة، والنقد لا يعني الهدم أو التشهير. إن إنصاف الناس، واحترام جهودهم، والتمييز بين النقد البناء والحقد المقنع، هي أسس ضرورية لاستعادة التوازن المجتمعي.
وفي النهاية، يظل «الترند» ظاهرة مؤقتة سرعان ما تزول، بينما يبقى الأثر الصادق شاهدا لا يمحوه الزمن. وبين ضجيج القلوب المريضة وصمت القلوب النقية، يظل الرهان على وعي المجتمع، وقدرته على إعادة الاعتبار للقيم، ورد التقدير إلى مكانه الطبيعي، حيث يحترم العمل، ويصان الإنسان.


0 تعليقات