فاطمة فرحات تكتب : حين تأكلك الغربة

كلنا في لحظة ما نشتاق إلى الغربة والسفر، ونظن أن فيهما الملجأ الجديد والراحة، بل يأخذنا الحلم أكثر وأكثر إلى أنها السعادة المنتظرة التي تنتشل كلًّا منا من ظروفه الاقتصادية الصعبة، أو تنسينا قصة حب لم تكتمل، وتُعوضنا عن أمل لم يتحقق، أو أمنية ضاعت في دروب الوطن المظلمة.

يكون الإنسان وقتها، وخاصة الشاب الذي يملأه
القوة والنشاط، وتحركه طموحات لا تنتهي،
بين سنوات تعليم شاقة وطويلة، ومعاناة الحصول على الشهادة الجامعية، وحين يأتي وقت التخرج والبدء في الحياة العملية وتحقيق الذات…

فجأة تتوالى السدود أمامه:
سد أمام الوظيفة المرموقة،
وسد آخر أمام الارتباط،
وسد أمام الحياة الكريمة.

وهنا ينظر الشاب إلى خارج حدود الوطن، مهما كانت المسافات الشاسعة، ومهما كانت المخاطر الفاجعة. وحين يتمسك بذلك الحلم ويعمل المستحيل لتحقيقه، يهجر الأهل والأصدقاء، ويترك خلفه حلمه في ركن مع باقي الأحلام، ويغادر إلى البعيد المجهول.

وتجد نفسك في الغربة التي اشتهيتها…
وهنا، مع أول لحظة لوجودك فيها، تبدأ تتلاطم عليك أمواج الغربة القاسية، وتجد نفسك مثل صخرة في بحر الغربة، تصدم بك الموجات القوية لحظة بعد أخرى، تأخذ منك جزءًا بعد جزء.

وتتساءل: أين ذهبت الأحلام الوردية التي رسمتها عن الغربة وكأنها الجنة بعينها؟

ومع الوقت، تنظر لنفسك فتجد أنك أصبحت جزءًا من كل… والباقي منك قد تلاشى في الغربة. وقتها فقط، تتمنى الرجوع للوطن مهما كانت ظروفه قاسية، فهناك… أنت إنسان كامل، حتى وإن كانت أحلامك ضائعة ولم تتحقق بعد.

وإلى لقاء آخر…
على أرض الوطن.

إرسال تعليق

0 تعليقات

close
ضع اعلانك هنا