الرجولة بين المفهوم الصحيح والتقليد الأعمى


بقلم ✍️  محفوظ عبد الرحمن مستشار تخطيط اجتماعي

يُنظر إلى "الرجولة" في المجتمع المصري، كما في كثير من المجتمعات، باعتبارها قيمة محورية تعكس النضج والمسؤولية والقوة، ولكن في العقود الأخيرة، وبفعل عوامل متعددة كالإعلام، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وتراجع الدور التربوي، فقد بدأت مفاهيم مغلوطة ترتبط بالرجولة تنتشر بين شريحة كبيرة من الشباب المصري، وهذه المفاهيم تُسهم في بناء صورة مشوّهة للرجل، وتؤثر سلبًا على سلوك الأفراد وتوازن المجتمع.

مفاهيم الرجولة الخاطئة عند الشباب
إن من أبرز المفاهيم المغلوطة التي يتبنّاها بعض الشباب أن الرجولة تعني التسلط، أو الصوت العالي، أو فرض الرأي بالقوة، أو شرب الممنوعات والمحرمات ومنها السجائر والمخدرات، أو حمل السلاح. كما يربط البعض الآخر الرجولة بالمظهر الخارجي فقط؛ كالعضلات، أو امتلاك المال والسيارة، أو تقليد الغرب في كل شيء ومنه شكل حلاقة الشعر أو اللبس، وذلك دون الالتفات إلى القيم الأعمق كالصدق، والأمانة، وتحمل المسؤولية، والاحترام المتبادل.
وهناك أيضًا مفاهيم أخرى خاطئة حيث يرى الشباب أن الرجولة تتطلب من الشاب ألا يُظهر مشاعره، وألا يطلب المساعدة من أحد، وألا يعترف بالخطأ. في حين أن هذه السلوكيات ليست دليلًا على القوة، بل على العكس، قد تشير إلى ضعف داخلي مُقنَّع بقناع من الغرور والتعالي.
التقليد الأعمى: أحد أخطر المظاهر.

لا تكمن الخطورة فقط في المفاهيم الخاطئة، بل في التقليد الأعمى لها دون أي وعي أو تفكير نقدي حيث يتأثر كثير من الشباب بما يُعرض على مواقع التواصل الاجتماعي وشاشات التلفاز من "قدوات" مزيفة تُقدّم صورة نمطية للرجولة تقوم على التفاخر بالمظاهر، والتمرد على القيم الصحيحة، وتقديم البلطجي على أنه بطل وصاحب أخلاق ومروءة وشهامة بمعنى "ابن بلد" بالعامية، والتمسك بفكرة "أنا الرجل"، وكأنها تعني السيطرة لا المشاركة.

ولأن القدوة الحقيقية غابت في كثير من البيئات الأسرية والتعليمية، أصبح الشاب يبحث عن نماذج في عالم الفن أو "التريند"، فُيقلد دون أن يدرك تأثير هذه التصرفات على مستقبله، وعلاقاته، ونظرته لذاته.

الآثار المترتبة على هذه الظاهرة
لا شك أن هذا التقليد الأعمى يؤدي إلى اضطرابات سلوكية واجتماعية خطيرة. فالشاب الذي يتبنى مفهوم الرجولة كمظهر أو تسلط، قد يعاني من علاقات فاشلة، أو يفشل في بناء أسرة مستقرة، أو حتى يجد نفسه في صراع دائم مع القانون أو المجتمع نتيجة تبني السلوكيات المنحرفة. كذلك، فإن إنكار المشاعر وكبتها يؤدي إلى مشاكل نفسية حادة مثل الاكتئاب والعزلة.
كيف نُعيد بناء مفهوم الرجولة؟

إن أول خطوة في العلاج هي نشر الوعي بين الشباب، من خلال التربية الواعية في الأسرة، ودور التعليم في غرس قيم الرجولة الحقيقية مثل: الصدق، الاحترام، القدرة على الاعتذار، وتحمل المسؤولية.
وأيضًا يجب أن نُعيد تعريف الرجولة بأنها وعيٌ بالذات، واحترامٌ للآخر، وقدرةٌ على التوازن بين القوة والرحمة، وأن الرجولة لا تعني إلغاء مشاعر الضعف، بل تعني الاعتراف بها والتعامل معها بشجاعة.

كما يجب على وسائل الإعلام أن تُقدم نماذج واقعية وإيجابية للرجال، بعيدًا عن الشخصيات الزائفة التي يتم الترويج لها في "الترندات" التي لا تعكس الواقع ولا تبني وعيًا.
خاتمة
مما سبق يتضح أن الرجولة ليست مظهرًا ولا شعارًا يُردَّد، بل هي موقف وسلوك، وما يحتاجه الشباب المصري اليوم ليس تقليد من يظهر في الشاشة أو على الهاتف، بل بناء وعي نقدي يُميز بين الرجولة الحقيقية والزائفة، والتمسك بالعادات والتقاليد الصحيحة، ومع التوجيه الصحيح، يمكن لهذا الجيل أن يستعيد القيم الحقيقية للرجولة، ويُسهم في بناء مجتمع أكثر اتزانًا وعدلًا.

إرسال تعليق

0 تعليقات

close
ضع اعلانك هنا