في زحمة الحياة اليومية، نتعامل مع عشرات الأشخاص، بعضهم نعرفهم معرفة سطحية، وبعضهم ندخلهم إلى دائرتنا القريبة فنمنحهم الثقة، ونضع عليهم آمالا وتوقعات، أحيانا تكون أكبر من طاقتهم البشرية. نحن نرسم صورا مثالية في مخيلاتنا، نتخيل أفعالهم وردودهم، وننتظر منهم مواقف بعينها ثم نصطدم بالحقيقة.
لكن، هل سألنا أنفسنا بصدق: لماذا نتوقع الكمال من الناس؟
ولماذا نربط رضا قلوبنا بتصرفات الآخرين، وكأنهم خلقوا ليتوافقوا مع رغباتنا...؟ وهل نحن أنفسنا كما يتوقع منا الآخرون ؟
التوقعات العالية قد تكون أكثر ما يعكر صفو علاقاتنا،ويجعلنا نعيش في دوامة من خيبة الأمل. فكلما علقنا أنفسنا بأداء الآخرين، عشنا أسرى للحكم، أسرى للانتظار، وأسرى لمشاعر الإحباط.
إن الإنسان كائن معقد، يحمل في داخله خليطا من التناقضات، يحاول أن يكون جيدا لكنه أحيانا يضعف، يقول أشياء لا يقصدها، ويتصرف تصرفات لا تشبهه في لحظة تعب أو غضب. هو ليس ملاكا ولا نبيا، بل مجرد بشر .
ومن أكبر الأخطاء التي نقع فيها دون وعي، هي البحث عن النسخة المثالية من الآخر، سواء كان صديقا، أو شريك حياة، أو زميل عمل، أو حتى فردا من العائلة. ننتظر أن يفهمنا دون أن نتكلم، أن يعتذر دون أن نعاتب، أن يتصرف دائما كما نحب ونهوى متناسين أن لكل إنسان زاويته، وألمه، ومزاجه، وخلفية حياته المختلفة.
وعندما ننسى هذه الحقائق البسيطة، نبدأ في جلد الآخرين حين لا يلبون ما نتوقعه منهم، وننسى أنهم يتعاملون من منطلق شخصياتهم، لا من منطلق خريطتنا الذهنية. وفي المقابل، نحن أيضا نخطئ، ونتغير، ونخذل أحيانا دون قصد.
الحياة ليست مثالية، ولن تكون. والبشر ليسوا كتلاً من النقاء، ولا نماذج جاهزة على المقاس. القبول، لا الكمال، هو أساس العلاقات الناجحة. أن تقبل الآخر كما هو، بضعفه وقوته، بعثراته ومحاولاته، هو قمة النضج. فكلنا نسير في هذه الحياة نحاول، نتعثر، ننهض، ونتعلم.
عندما تبدأ في إسقاط الكمال عن الناس، سترى الجمال في عيوبهم، والصدق في تصرفاتهم، وستتعلم كيف تحبهم كما هم، لا كما تريد أن يكونوا.
وعندما تتوقف عن انتظار المعاملة "المثالية"، ستبدأ في التقدير الحقيقي لكل لفتة صادقة، ولكل موقف بسيط نابع من القلب.
في النهاية، تذكر دائماً : لا أحد وجد ليرضي توقعاتك، ولا أنت وجدت لتكون مثالًا عند الآخرين. كن إنسانا، وتفهم أن غيرك أيضا مجرد إنسان.
0 تعليقات