د. سمير ابو الخير يكتب : موالدنا... بين النية الطيبة والحاجة إلى تهذيب الممارسة"



لا شك أن محبة الصالحين وأولياء الله من علامات الإيمان، ولكن هذه المحبة لا تعني أن نُحدث في دين الله ما لم يشرعه، أو أن نتبع عادات لا أصل لها بدعوى التقرب. فالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو خير الخلق، لم يحتفل الصحابة بمولده، ولم يجعلوا للذكر مواسم يُغلب عليها الطرب والرقص والاختلاط، بل كانوا إذا ذكروا الله خشعت قلوبهم ودمعت أعينهم، في خشوعٍ وسكينةٍ ووقار.

الكثير من الممارسات التي تتم في بعض الموالد اليوم ـ مثل التمايل، وضرب الطبول، وترديد أذكار لا يُعرف معناها، بل أحيانًا يُنادى فيها بغير الله ـ كل ذلك لا يُرضي الله ولا رسوله، بل يفتح الباب على مصراعيه للجهل والدجل، ويبعد الناس عن الذكر الحقيقي الذي يُطهّر القلب ويزكّي النفس.

الذكر الحقيقي هو ما وافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم، مثل التسبيح، والتهليل، والاستغفار، وتلاوة القرآن، والدعاء المأثور، وكلها عبادات لا تحتاج لمناسبة ولا طقوس خاصة، بل تُؤدى في كل وقت، وفي كل حال.

نحن بحاجة إلى تصحيح المفاهيم، لا محاربة الناس أو الطعن في نياتهم، بل دعوتهم برفق إلى العودة إلى الأصل، إلى السنة، إلى ما فيه النفع الحقيقي لهم في الدنيا والآخرة. فالدين ليس طقوسًا جوفاء، بل هديٌ ونورٌ، وسلوكٌ مستقيم.
وهنا يأتي دور العلماء والدعاة الصادقين، الذين يحملون مسؤولية عظيمة في توعية الناس وبيان الحق بالحكمة والموعظة الحسنة. فالعلماء هم ورثة الأنبياء، ومهمتهم ليست فقط نقل الأحكام، بل تصحيح المفاهيم، وتوجيه الناس إلى العبادة الصحيحة، وتنقية الدين مما علق به من بدع وممارسات دخيلة.

كما أن على المؤسسات الدينية أن تكون حاضرة بقوة في هذه الساحات، لا بالصدام ولا بالتقليل من شأن الناس، بل بالحوار والتقريب، وفتح المجال للعلم الشرعي أن يصل إلى العامة بأسلوب مبسط وواقعي. فلا يكفي إنكار الخطأ، بل لا بد من تقديم البديل الصحيح، وغرس محبة الذكر الحقيقي، والتعريف بجمال العبادة كما عاشها النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.

إن الإصلاح لا يبدأ بالهجوم، بل بالرحمة، وبإحياء القدوة، وبفتح الأبواب أمام الناس ليعودوا إلى النبع الصافي، قرآنًا وسنةً، بفهم أهل العلم والهدى.
إن الذكر عبادة عظيمة، ومصدر صفاء للقلوب، لكنه لا يكون مقبولًا ولا مثمرًا إلا إذا وافق هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وسار على منهج الكتاب والسنة. وما نراه في بعض الموالد وايضا في بعض البيوت والدواوين  من تجاوزات وبدع لا ينقص من نية المحبين، لكنه يدعونا جميعًا  علماءً ومربين وغيورين – إلى وقفة صادقة نعيد فيها تصحيح المسار، ونقود الناس إلى الذكر الحق، الخالي من الغلو، والنقي من الشعوذة والخرافة.

إن حب الأولياء لا يكون بالاحتفال الموروث، بل باتباع ما كانوا عليه من علم وتواضع وطاعة لله. والدين لا يُؤخذ بالعاطفة وحدها، بل بالعلم والبصيرة. فلنُحيي قلوبنا بالذكر، ولنحفظ ديننا من التبديل، ولتكن دعوتنا دائمًا: عودة إلى الأصل... إلى النور الذي جاء به معلم البشريه محمد بن عبداللاه صل الله عليه وسلم

إرسال تعليق

0 تعليقات

close
ضع اعلانك هنا