✍️ : د. كريم ابوعيش
في كل مكان تروحه، هتلاقي مجموعة غريبة من البشر عندهم موهبة مش أي حد يعرف يعملها… موهبة صناعة أزمة من لا شيء. ناس تحس إن الدنيا لو ماشية طبيعية يضيقوا، ولو الجو هادي يتوتروا، ولو مفيش مشكلة… يخلقوها. هو نوع من البشر شايف إن الحياة بدون “دوشة” تبقى ناقصة، وإن يومه من غير قلق كأنه ما اشتغلش.
تلاقي الواحد فيهم يدخل الشغل وهو ماسك ورقة فاضية، ماشي بسرعة، متنرفز، كأنه داخل يطفي حريق في الدور اللي فوق. تسأله: “خير؟” يرد بفخر: “الحمد لله سيطّرت…”
سيطّر على إيه؟ محدش عارف. بس هو لازم يحسسك إن لولا وجوده، كان المكان اتقلب رأس على عقب. ويزيد الطين بلة إن في ناس فعلاً بتصدّق، لأن الضوضاء ساعات بتغطي على الحقيقة.
ومن أغرب الحكايات اللي تشوفها عند النوع ده…
تلاقي موظف داخل الشركة وهو لابس ملامح الرعب كلها، ويصرّخ:
“الحقّوا… فيه هجوم إلكتروني على الأجهزة، وأنا بدافع لوحدي!”
يبدأ يكتب بسرعة على الكيبورد، ويقرب الموبايل من ودنه كأنه بيكلم جهة سيادية، ويرمي جملة من نوع: “الوضع تحت السيطرة بس محتاج دعم”.
والمصيبة؟ ولا موقع خبري ذكر كلمة عن أي هجمات إلكترونية. الدنيا برّه هادية… بس هو لازم يخوّف، ولازم يظهر إنه حائط الصدّ الأخير قبل ما الشركة تنهار!
وبعض الزملاء، بطبيعتهم الطيبة أو جهلهم التقني، يصدقوا المشهد كامل… ويبقى هو “البطل اللي أنقذ الموقف”—مع إن الموقف كله مش موجود أصلًا.
الغريب إن النوعية دي بتعرف تلعب على جهل البعض. يرفعوا صوتهم في الاجتماع، يعملوا حركة إيدين سريعة، يدخلوا يطلعوا من أوض الاجتماعات… فتلاقي اللي حواليهم مقتنعين إنهم “أعمدة المكان”، رغم إن العمود نفسه لو اتشال… المبنى مش هيتهز. الفكرة كلها إنهم أتقنوا تمثيل الدور، مش أداء الشغل.
الأزمة بالنسبة لهم مش حدث… دي بطولة يومية. لو مافيش مشكلة، يخترعوا واحدة. لو انتهت، يعيدوا تشغيلها من زاوية جديدة. المهم إن الأضواء تفضل عليهم. المهم يظهر إن وجودهم فارق. المهم يبان إنهم محور الكون، وإن باقي الموظفين مجرد “كومبارس”.
ومع الوقت، تكتشف إن الناس دي مش قوية زي ما صوتها عالي… لأ، ده صوتهم العالي هو اللي مغطي على ضعفهم. هما خايفين من الهدوء… لأن الهدوء يعرّي. خايفين من اللحظة اللي يبان فيها إن دورهم أقل بكثير من الدوشة اللي بيعملوها. خايفين من الحقيقة اللي بتقول: “انت مش مؤثر… انت مزعج بس”.
والمضحك إنهم ممكن يصنعوا أزمة عشان يثبتوا إن وجودهم مهم، ويعيشوا على فكرة إن “لو مش أنا… الدنيا هتبوز”. ومع الأسف، في ناس بتصدق الجملة دي حرفيًا، وده اللي بيخلي النوع ده يعيش ويكبر ويتكرر.
ومع التعامل مع هؤلاء الأشخاص، لا بد من الحذر والفهم الجيد لسلوكهم. الاستماع لهم مهم، لكن لا تنساق وراء تصرفاتهم أو تعطيهم أكثر من حجمهم الحقيقي. فالأشخاص الذين يصنعون الأزمات من لا شيء قد يحاولون في أي لحظة تحويل أي موقف عادي إلى مشكلة كبيرة لمجرد إثبات وجودهم، ولذا الوعي والابتعاد عن الانفعال هما خط الدفاع الأمثل أمام هذا النوع من الشخصيات.
وتفتكر دايمًا:
سلوكك هو مرايتك… والمرايا لا تجامل حد.


0 تعليقات