✍️ : فاطمة فتحي غوينم
في زمن امتلأت طرقاته بالضجيج وتداخلت فيه وجوه البشر، لم يعد اكتشاف العدو مهمة صعبة، فالندل واضح، والجبان مكشوف، والخائن تحذر منه ملامحه قبل أفعاله، والكاذب يعرفه صوته قبل حديثه، وصاحب المصلحة لا يجهد نفسه في إخفاء غايته.
هذا النوع كله على قسوته يمكنك التعامل معه والخروج من ساحته دون خسائر كبيرة، لأن السم فيه ظاهر، والعيب لا يختبئ خلف ستار.
لكن الأصعب…الأعمق… الأخطر هو ذاك الذي يأتيك بملامح الصديق، وقلبه يحمل عكس ما يظهر.
الصاحب البايظ, ليس عدوا يواجهك بل بابآ يفتحه لك الشيطان من حيث لا تدري.
يدخل حياتك بملامح الود، يصافحك بكلمات طيبة، ويجلس على أقرب مقعد لروحك، ثم يبدأ تدريجياً في تزيين الخطأ، وتبرير الزلل، وتخفيف وقع الحرام حتى يصبح “عادياً”.
الصاحب البايظ لا يفسد يومك، بل يفسد اتجاهك. لا يجرح قلبك ، بل يغير لونه، لا يطعن ظهرك، بل يعيد تشكيلك بصمت.
هو الصديق الذي يبتسم في وجهك، بينما يمد لك يدآ خفية تدفعك خطوة خارج المبادئ التي طالما حافظت عليها.
يظهر الحرص، لكنه يهدم القيم.
يبدو ناصحا وهو أكثر من يعرف كيف يفتح بوابة الضعف داخلك ،إنه نار تحت الرماد؛ لا دخان يكشفها، ولا شرارة تعلن عن خطورتها، تراها هادئة، مطمئنة، كأنها دفء في ليلة برد
لكن ما إن تلمسها بقلبك، حتى تنقلب إلى لهب يلتهم كل ما بنيته بتعب السنين.
خطورة هذا النوع لا تأتي من ظاهره، بل من مكانه:
فهو لا يقف أمامك كعدو، بل يقف “خلف ضلوعك” كصديق.
وهذا ما يجعله أفتك من كل خصومة معلنة، وعلى مرّ التجارب، يبقى الدرس ثابتا كحقيقة لا تنكر ،فالصاحب ساحب إما يأخذك إلى نور الجنة، أو يدفعك الى النار .
اختيار الصحبة ليس ترفيها اجتماعيا، ولا قرارا عابراً.
إنه معيار نجاة، وامتحان بصيرة، وقدر يحدد من نكون وكيف نكبر، ومن يظل واقفاً في آخر الطريق.
فاحذر من العدو الواضح ، لكن احذر ألف مرة من “الصاحب البايظ” الذي يبتسم وهو يهدمك من الداخل.


0 تعليقات