✍️ : د. كريم ابوعيش
في زمنٍ تتقاطع فيه الأضواء مع الكاميرات، وتتنافس فيه المظاهر على خطف الأنظار، أصبح كثيرون يظنون أن قيمة الإنسان تُقاس بما يرتديه، لا بما يحمله من مبادئ. تمتلئ الشوارع بالوجوه المتأنقة، ويتزين البعض بأغلى ما يملكون، ولكن حين تختبرهم المواقف… ينكشف ما هو أعمق من الثياب، وينطق السلوك قبل اللسان.
المظهر قد يمنحك حضورًا، لكنه لا يمنحك احترامًا. ويمكن لثياب فاخرة أن تلفت النظر، لكن كلمة طيبة واحدة قد تكسب ما لا يكسبه المال. نحن لا نُعرَف في الحقيقة بماركاتنا ولا سياراتنا، بل بما نتركه في نفوس الآخرين… بخلقٍ كريم، أو كلمة راقية، أو موقف يليق بالإنسانية.
ولعلّ أبسط مثال نراه كل يوم: رجل بسيط يفتح الباب لغيره بابتسامة، فيترك أثرًا طيبًا رغم بساطة ملبسه… وآخر متأنق يقفز أمام الجميع في الدور وكأنه الأحق بكل شيء. الأول لا يملك الكثير، لكنه يملك سلوكًا يرفعُه، بينما الثاني يملك شكلًا لامعًا، لكنّ حضوره ينطفئ أمام أول موقف.
وهنا يبرز السؤال: ما الذي يبقى في ذاكرة الناس… مظهرك أم موقفك؟
إن أكثر ما يفضح الإنسان ليس ملامحه، بل لحظة غضبه. وليس ما يرتديه، بل كيف يعامل من لا يملك له نفعًا ولا ضررًا. قيمة المرء الحقيقية تُقاس في تفاصيل بسيطة: كيف يردّ على الضعيف؟ كيف يعتذر؟ كيف يشكر؟ كيف يحترم وقت غيره؟ وكيف يَفي بوعده؟
هل ننتبه فعلًا لهذه التفاصيل الصغيرة التي تكشف معدننا؟
ومن المؤسف أنّ بعض الناس يصنعون شهرتهم على الصورة لا على الجوهر. يتحدثون بلباقة، بينما سلوكهم لا يشبه ما يرفعونه من شعارات. يقدّمون أنفسهم للعالم في أجمل نسخة… ثم يعيشون في الواقع بنسخة أخرى تمامًا.
ومن هنا يأتي السؤال الأخطر: من نكون حين لا يرانا أحد؟
إن أجمل الثياب لا تستطيع أن تخفي تعاليًا، ولا أن تبرّر قسوة، ولا أن تلمّع ظلمًا. أما الروح النظيفة… فهي القادرة على أن ترفع صاحبها ولو كان بسيطًا في شكله، متواضعًا في ملبسه، غير متكلّف في حضوره.
وفي زمن المظاهر، يصبح الحفاظ على جوهر الإنسان بطولة. أن تختار أن تكون محترمًا دون جمهور، وأن تمتلك ضميرك قبل أن تمتلك صورتك، وأن تفهم أن السلوك ليس تفصيلة ثانوية… بل هو الحقيقة التي يراها الناس دون أن تبذل جهدًا.
وفي النهاية…
الثياب تُبهِر، لكن السلوك يُكرِّم.
والمظاهر تُعجب، لكن الأخلاق تُلزم.
وما يراه الناس في صورتك قد يخدعهم يومًا…
أما ما يرونه في أفعالك، فلن يخدع أحدًا.
فلتتذكر دائمًا: سلوكك هو مرايتك… والمرايا لا تجامل أحدًا.

0 تعليقات