بعد استهداف إسرائيل قيادات حماس في قطر، هل انتهى زمن الملاذات الآمنة للتيارات الدينية‏؟

✍️ فاطمة فتحي غوينم 


منذ عقود كانت «الملاذات الآمنة» أحد أهم ركائز بقاء الحركات الدينية، لا سيما في أوقات الأزمات، وهذا المفهوم يعني ببساطة وجود دول أو مناطق خارجية تحتضن قيادات هذه الحركات، وتمنحهم هامشًا من الأمان السياسي والتنظيمي بعيدًا عن الملاحقات الأمنية في الداخل، وقد مثلت هذه الملاذات حلًا عمليًا لتخفيف الضغط الداخلي وفتح قنوات اتصال غير مباشرة مع قوى إقليمية ودولية.

يرصد الباحث الفرنسي جيل كيبل في كتابه الهام «انتشار وانحسار الإسلام السياسي» أن الحركات الدينية، منذ ستينيات القرن الماضي، لجأت إلى الخارج كآلية للبقاء، بدايةً من تواجد جماعة الإخوان في أوروبا، مرورًا بدور طهران في استضافة قيادات من فصائل المقاومة، وصولًا إلى الدوحة التي احتضنت قيادة حركة حماس منذ عام 2012 بعد خروجها من دمشق. 
وتصف صحيفة نيويورك تايمز هذا الدور القطري بأنه كان خيط التوازن، حيث جمعت الدوحة بين استضافة قيادات حماس والحفاظ على علاقات استراتيجية مع واشنطن.

ومع أن العملية الإسرائيلية الأخيرة ضد قيادات حماس في قطر طرحت تساؤلات جديدة، عن صلاحية الملاذات الآمنة ومدى بقائها ضمن الخيارات المتاحة للتعامل مع الإسلام السياسي أم لا، لاسيما أن التاريخ يقول أن إسرائيل تجنبت دائما تنفيذ اغتيالات في دول حليفة للولايات المتحدة أو ذات وزن إقليمي حساس، غير أن المشهد بدأ يتغير عندما اغتالت إسرائيل صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس في يناير من العام الماضي 2024، بضاحية بيروت الجنوبية، في سابقة اعتبرت كسرًا لتوازنات كانت قائمة. 
واليوم مع استهداف قيادات حماس في الدوحة تزداد التساؤلات حول ما إذا كانت إسرائيل قد تجاوزت نهائيًا «الخطوط الحمراء» التي حكمت عملياتها لعقود وباتت أكثر ضبابية، ولم تعد إسرائيل مقيدة بالمعادلات القديمة كما تقول صحيفة الواشنطن بوست. 
تاريخ تجاوزات إسرائيل لـ الخطوط الحمراء 
التاريخ يقدم نماذج مشابهة لتجاوزات إسرائيل الخطوط الحمراء المتفق عليها، ففي سبعينيات القرن الماضي، نفذ جهاز الموساد سلسلة اغتيالات ضد عناصر من منظمة «أيلول الأسود» في عواصم أوروبية مثل روما وأثينا وباريس، ردًا على عملية ميونخ 1972. 
وفي عام 1988، اغتالت إسرائيل القيادي الفلسطيني خليل الوزير «أبو جهاد» في تونس، رغم كونها بعيدة عن مناطق الصراع المباشر، وهذه العمليات عكست آنذاك استعداد إسرائيل لتجاوز القواعد الدبلوماسية في سبيل استهداف خصومها، وهو ما يتكرر اليوم في سياق مختلف.
يقر بذلك تقرير لمركز كارنيجي للشرق الأوسط، مؤكدا أن «الملاذات الآمنة لم تعد ضمانة كما في السابق، موضحا أن التحولات الدولية والإقليمية تجعلها أقل استقرارًا وأكثر هشاشة،  وهذه القراءة تعزز فكرة أن الضربة الإسرائيلية الأخيرة قد تكون بداية مرحلة جديدة، تتراجع فيها قدرة الحركات الإسلامية في الاعتماد على الخارج كشبكة أمان طويلة المدى. 

ومع إن السؤال ما زال مفتوحًا حول ما إذا كانت الحركات ستبحث عن بدائل داخلية أو تحالفات جديدة، لكن المؤكد أن استهداف قيادات حماس في قطر يمثل محطة فارقة في مسار الصراع، ويعيد رسم حدود مفهوم الملاذات الآمنة الذي شكّل لعقود مفتاحًا سحريًا لتجاوز الأزمات الداخلية.


إرسال تعليق

0 تعليقات

close
ضع اعلانك هنا