وقت الأسرة ليس ترفًا... بل استثمار في المستقبل

بقلم : د. محمد سيد سلامة – دكتوراه في إدارة الأعمال ومحاضر في التنمية البشرية

في عالم تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتضاعف الضغوط اليومية، قد يعتقد البعض أن تخصيص وقت للأسرة نوع من الترف أو رفاهية يمكن تأجيلها. إلا أن الحقيقة العميقة تؤكد أن وقت الأسرة ليس ترفًا، بل هو استثمار حقيقي في بناء إنسان متوازن، ومجتمع مستقر، وتنمية مستدامة تبدأ من داخل كل بيت.

 الأسرة... الحصن الأول

الأسرة هي الحضن الأول الذي يتشكل فيه وعي الطفل، وتُبنى فيه القيم والسلوكيات، ويُغرس فيه الإحساس بالأمان. وعندما يغيب التواصل الحقيقي بين أفراد الأسرة، يظهر فراغ عاطفي وسلوكي قد يُملأ ببدائل خطرة، كرفاق السوء، أو الإدمان الرقمي، أو الانطواء.

إن تخصيص وقت منتظم يجمع أفراد الأسرة – سواء حول مائدة الطعام، أو في نزهة عفوية، أو حتى في حديث صادق – يمثل حجر الأساس لبناء علاقة متينة قائمة على التفاهم والاحتواء والتوجيه.

 وقت العائلة.. وقود النمو النفسي

حين يشعر الطفل أن عائلته تهتم به، وتستمع إليه، وتشاركه تفاصيل حياته الصغيرة، فإنه ينمو نفسيًا بطريقة صحية، ويكتسب ثقة بالنفس، ويصبح أكثر قدرة على مقاومة التأثيرات السلبية من البيئة المحيطة.

كما أن تخصيص وقت للأبناء يُعد فرصة مثالية لتعليمهم مهارات الحياة، وغرس المبادئ، وتصحيح السلوك بشكل عملي وإنساني. فالتوجيه بالحب أكثر فاعلية من التوجيه بالأوامر العابرة.

 من الأسرة إلى المجتمع

قد يبدو الوقت الأسري شأناً شخصيًا، لكنه في جوهره مسألة مجتمعية. فالمجتمع يتشكل من مجموع الأسر، والأسرة السليمة تخرّج فردًا نافعًا، متزنًا، يُحسن إدارة وقته، ويُقدّر العلاقات، ويُسهم في تنمية محيطه بإيجابية.

أما حين يُهمَل الوقت الأسري، فإننا نفتح الباب أمام جيل يعاني من الوحدة رغم الزحام، ويفتقر إلى المهارات الاجتماعية والعاطفية الضرورية لبناء المستقبل.

 كيف نخلق وقتًا للأسرة وسط الانشغال؟

حدد وقتًا أسبوعيًا ثابتًا وخاصًا بالعائلة.

شارك أفراد الأسرة في اتخاذ القرارات البسيطة.

أغلق الهاتف... وافتح قلبك.

استمع أكثر مما تتحدث، واحتوِ أكثر مما تحكم.

 وأخيرًا...

إن أجمل ما يمكن أن نقدمه لأسرنا ليس المال ولا الطعام فقط... بل "الوقت".

فالوقت الذي تمنحه لعائلتك هو جزء من عمرك، ومن حبك، ومن اهتمامك.

لذا، لا تجعل الانشغال ذريعة، ولا تؤجل جلسة دافئة مع من يحبك بصدق ودون شروط.

لأن وقت الأسرة ليس ترفًا... بل أعظم استثمار في بناء الإنسان والمستقبل.