بينما نُبحر في أعماق العدالة الجنائية تظل مسألة تناسب العقوبة مع الفعل الإجرامي مبحثاً حيوياً يُلهم الفكر ويحفز النقاش فالعقوبة ليست مجرد رد فعل تجاه الجريمة بل هي جزء من منظومة العدالة التي تسعى إلى تحقيق التوازن بين حماية المجتمع ومراعاة حقوق الأفراد لنكتشف كيف يلعب هذا المبدأ دوراً محورياً في تحقيق العدالة الجنائية
مبدأ تناسب العقوبة مع الفعل الإجرامي يعتبر أحد المبادئ الأساسية التي تحكم تطبيق العقوبات في النظام الجنائي هذا المبدأ يهدف إلى ضمان أن تكون العقوبة المنصوص عليها في القانون مناسبة لخطورة الجريمة ودرجة إثم المتهم بحيث تتناسب العقوبة مع الفعل المرتكب دون إفراط أو تفريط
في هذا السياق تنص المادة 66 من الدستور المصري على أن العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون" هذا النص الدستوري يؤكد على مبدأ الشرعية الجنائية، والذي يشترط أن تكون الجريمة والعقوبة محددة بوضوح في القانون قبل ارتكاب الفعل ومن هذا المنطلق فإن مبدأ تناسب العقوبة مع الجريمة يجد أساسه في القانون الجنائي المصري حيث ينص قانون العقوبات على أن العقوبة يجب أن تكون مناسبة لخطورة الجريمة ودرجة إثم المتهم
ومن الأمثلة التي توضح هذا المبدأ هو ما يحدث في الأسرة حيث يلجأ الأبوان إلى توقيع عقوبة على طفلهما لحمايته من الأضرار، إن القانون عندما يقرر عقوبة فهي تتماثل مع لطمة يتلقاها الطفل من أبويه حتى لا يعبث بالنار فالأبوان لا يتوقفان عند التساؤل حول ما إذا كان الطفل قد ارتكب خطأ أم لا وإنما يتصرفان من فورهم لتلقين طفلهما درسًا صحيًا من الناحية التربوية وهذا يشبه ما يحدث في القانون حيث تهدف العقوبة إلى حماية المجتمع والأفراد من الأضرار مع مراعاة حقوق المتهم ودرجة إثمه
ولتحديد مدى تناسب العقوبة مع الفعل الإجرامي يأخذ القضاء المصري في الإعتبار عدة معايير مهمة أول هذه المعايير هي خطورة الجريمة حيث تقدر المحكمة درجة خطورة الجريمة بناءً على تأثيرها على المجتمع والأفراد كما تأخذ المحكمة في الإعتبار درجة إثم المتهم حيث تقدر مدى مسؤولية المتهم عن الجريمة ومدى علمه ونيته في ارتكابها
بالإضافة إلى ذلك يأخذ القضاء في الإعتبار أيضًا الظروف الشخصية للمتهم مثل السن والجنس والوضع الإجتماعي حيث يمكن أن تؤثر هذه الظروف على تحديد العقوبة ومن المعايير الأخرى التي يأخذها القضاء في الاعتبار هو الغرض من العقوبة سواء كان التأديب أو الإصلاح أو الردع فالعقوبة لا تهدف فقط إلى معاقبة المتهم بل تهدف أيضاً إلى إصلاحه وردعه وردع الآخرين من ارتكاب جرائم مماثلة
في تطبيق هذا المبدأ يقدّر القاضي العقوبة بناءً على المعايير المذكورة أعلاه مع الأخذ في الإعتبار الظروف المخففة والمشددة، الظروف المخففة قد تشمل ندم المتهم أو تعاونه مع السلطات بينما الظروف المشددة قد تشمل إرتكاب الجريمة بوسائل عنيفة أو ضد أشخاص ضعفاء ومن خلال هذا التقدير يسعى القضاء إلى تحقيق العدالة الجنائية وضمان أن تكون العقوبة عادلة ومناسبة
أن مبدأ تناسب العقوبة مع الفعل الإجرامي يعتبر ركناً أساسياً في تطبيق القانون إنه ليس مجرد مبدأ نظري بل هو أداة عملية تهدف إلى تحقيق العدالة والتوازن بين حماية المجتمع ومراعاة حقوق الأفراد ومن خلال هذا المبدأ ندرك أن العدالة ليست مجرد تطبيق للقوانين بل هي فلسفة تحكم فهمنا للعقوبة والجريمة، فلسفة العدالة التي تسعى إلى تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات وبين الحماية والإصلاح وفي هذا السياق يظل القضاء ملتزماً بتحقيق هذه الفلسفة من خلال تطبيق مبدأ تناسب العقوبة مع الفعل الإجرامي بكل عدالة وإنصاف..
0 تعليقات