فاطمة فتحي غوينم
هل هناك علاقة بين العبقرية والمرض؟!
هل هناك علاقة بين عظمة الإنسان ونسبة معاناته الشخصية؟!
هل يتطلب التميز قدرا مقابلا من الاضطهاد والمعاناة ومعارضة المجتمع؟
المرض بحد ذاته (ظرف قهري) يتطلب استحداث اساليب جديدة في العيش والتعامل والتفكير. وحين يصاب المرء بمرض دائم يفكر بشكل اعمق ولا يعبأ كثيرا لما يفرضه المجتمع أو يعتقده الناس.. حين يصبح طريح الفراش يصبح مهيئا اكثر لالتقاط الإلهام في الخلوة وبلورة الإبداع من المعاناة.. هنري ماتيس مثلا بدأ حياته كمحام متواضع في باريس ولكنه اصيب بالتهام دائم في الزائدة جعله طريح الفراش. وفي ظل معاناته ووحدته اكتشف موهبته في الرسم فأصبحت الفرشاة رفيقة حياته.. المفارقة الطريفة ان الزائدة الدودية يمكن اليوم إزالتها بعملية لا تستغرق نصف ساعة. ولكنها لو اتيحت لماتيس في زمانه لكسب العالم محاميا وخسر مدرسة جديدة في الفن المعاصر!!
.. وحين تتأمل معنى الابداع ذاته تكتشف أنه يتضمن الخروج بشيء جديد وغريب لم يُطرق من قبل.. وحين يخرج المرء بشيء جديد فإنه في الغالب يخالف واقعا معتادا وطريقه في العمل والانجاز (ويصبح السؤال الأهم: ما الدافع وراء ذلك؟).. فالابداع ليس صعبا لدرجة ان اجيالا تولد وتموت ولم يظهر فيها مبدع واحد.. ولكن المشكلة ان معظمنا يخشى الخروج على أفكار المجتمع ومخالفة المألوف والصراخ بأعلى صوته "أنا لدي طريقة جديدة".
ولكن حين يصبح الانسان مريضا - وطريح الفراش خصوصا - يبدأ في التأمل والتفكير في كافة المسلمات.. يراقب عن بعد كيف يعارض المجتمع الأفكار الجديدة وما يخالف المألوف والموروث.. يدرك أن مواقف الناس تنطلق من (وجدنا آباءنا كذلك يفعلون) وأنهم لا يعترفون بالعبقرية والإبداع بقدر ما يعترفون بالسحر والجنون (ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر او مجنون)!!
وبطبيعة الحال - بالاضافة للإعاقة والمرض والوحدة - قد يملك الانسان دوافع أخرى للتميز كأن يكون مضطهدا، أو يتيما، أو فقيرا، أو من أقلية مستضعفة (والأخيرة بالمناسبة تفسر سر تفوق الأقليات اليهودية في المجتمعات الغربية)!
ولكن في المحصلة؛ حين تتأمل ردود الفعل الناجمة عن كل هذا تدرك أن الانسان السليم والمحظوظ (ومن ولد في فمه ملعقة ذهب) لا يملك دافعا للتفوق والتميز مثل العليل وقليل الحظ والطامحين من أبناء الطبقة الوسطى!!
ومن يدري؛ لعل هذا من رحمة الله بعباده بحيث يتكفل الزمن وحده بصعود الضعفاء وقليلي الحظ.. وينزل بالأقوياء وأبناء الذوات.. جيلا بعد جيل!!
0 تعليقات