فاطمة فتحي غوينم تكتب : “عيش بكرامتك… حتى لو ضاق عليك الزمن”

يقف الإنسان في مرحلة ما من حياته أمام ذاته وقيمه، بعيدا عن ضغوط المجتمع وصخب الآراء العابرة.

هناك فقط، في مساحة الصدق بينه وبين ضميره، يطرح السؤال الجوهري:

هل أسير في الطريق الصحيح ؟ أم أن خطواتي تقودني إلى نهاية أثقلها الندم ؟

إن الحياة البسيطة ليست نقصا، واليد التي لا تمتد إلى ما لا يحق لها ليست بدآ عاجزة، بل يد كريمة تحترم صاحبها وتمنحه رفعة لا تقاس بالممتلكات.

فالفقير الشريف أكثر ثراء من صاحب مال مشبوه، مهما امتلك من مظاهر الرفاهية.

وفي زمن اختلطت فيه المفاهيم، وأصبح الخطأ يسوق على أنه “ذكاء”، وصار البعض يبرر الغش بعبارة “الجميع يفعل ذلك”، تظهر الحاجة إلى التذكير بأن الشرف قيمة ثابتة لا تخضع للمساومات، وأن الأمانة مبدأ وليست وجهة نظر.

ما زال بيننا أناس بسطاء في ظاهر حياتهم، عظماء في نقاء سيرتهم؛

بيوتهم متواضعة، ومواردهم المحدودة، لكن خطاهم على الأرض ثابتة، ووجوههم تحمل راحة القلب، وسيرتهم بين الناس نظيفة لا يشوبها تردد ولا شبهة.

هؤلاء إن غابوا بقي أثرهم، لأنهم عاشوا وهم يدركون معنى أن يحافظ الإنسان على ضميره، وأن المال لا يكون نعمة إلا إذا كان مصدره نقيا.

فمن تمسك بالشرف، أغناه الله بما هو أثمن من المال؛

أغناه بالرضا، وبركة العمر، وطمأنينة الليل، والحفظ في الأهل والذرية.

تلك النعم التي لا تشترى مهما بلغ رصيد الإنسان.

أما من جمع ماله بالغش والخداع، فقد يضحك اليوم، لكنه سيبحث غدا عن مهرب. يأكل لقمة، ثم تأكله لقمة.

فالمال الذي يأتي على حساب الحق لا يستقر، ولا يكبر، ولا يبارك حياة صاحبه.

إن اللقمة الحلال وإن كانت قليلة تبني إنساناً مستقيماً .

بينما المال الحرام وإن كثر يهدم عمر صاحبه ويفسد روحه.

ومن ثم، تظل الرسالة واضحة:

عِش بنزاهة، واصنع لنفسك سيرة أطهر من أي منصب أو مال.

تمسك بكرامتك فهى أثقل من كل ما تملكه.

وإن ضاق بك الحال فلتكن عظمتك في نظافة يدك وارتفاع رأسك.

فالقيمة الحقيقية لا تقاس بما يمتلكه الإنسان، بل بما يستحقه.